وبشر بن المعتمر في هذه الفقرة التي اقتبستها من صحيفته المشهورة، يشير فيها إلى تخير وقت القراءة والكتابة، واختاره حين تكون النفس في غاية نشاطها، وعند خلو بالها، لتلبي صاحبها، وتستجيب له إذا طالبها، وهي على هذه الحالة من الحيوية والنشاط تفيد من الوقت اليسير، ويتضاعف عملها في الزمن الوجيز، فإن استعصى العمل العلمي عليها، ولم تثمر عندها القراءة والكتابة فقد طالب صاحب هذه الصناعة بالانصراف عنها سواد ليله أو بياض نهاره حتى يعود إليه النشاط ويفرع منه البال، وحينئذ تواتيه الملكة ولا يحرم التجاوب الفعال في هذا الفن ما دام الإنسان في طبيعته هذه الموهبة من التحصيل، وعلى خبرة بالدراسة والبحث.
وقد فطن لمثل هذا من نقادنا القدامى الإمام عبد القاهر الجرجاني، ونبه إليه في أكثر من موطن في كتابه دلائل الإعجاز.