فترة تكون النفس والجسم والعقل قد أخذت كل منها مرحلة النشاط الشامل، ليقرأ الباحث بعد أن تنبهت فيه كل منافذ الإدراك ومعاير الوعي والتحصيل والاستنتاج.
لذلك كله يتعين على الباحث اختيار الوقت الذي تكون فيه النفس موفورة النشاط العقلي، ويكون الجسم جم النشاط العضلي، وقد تنبه إلى ذلك الناقد العربي بشر بن المعتمر في صحيفته المشهورة في النقد العربي القديم، يقول بشر في ذلك:
خذ من نفسك ساعة نشاطك، وفراغ بالك وإجابتها إياك؛ فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهرا، وأشرف حسبا، وأحسن في الأسماع وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وفرة من لفظ شريف ومعنى بديع، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطاولة والمجاهدة وبالتكلف والمعاودة، ومهما أخطأك أن يكون مقبولا قصدا، وخفيفا على اللسان سهلا، وقد خرج من ينبوعه ونجم عن معدنه ... فإن كانت المنزلة الأولى لا تواتيك ولا تسنح لك عند أول نظرك، وفي أول تكلفك وتجد اللفظة لم تقع موقعها، ولم تصر إلى قرارها وإلى حقها من أماكنها المخصوصة لها ... ولم تسمح لك الطباع في أول وهلة وتعصي عليك بعد إحالة الفكرة، فلا تعجل ولا تضجر، ودعه بياض يومك أو سواد ليلك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك؛ فإنك لا تعدم الإجابة والمواناة، إن هناك طبيعة أو جريت من الصناعة على عرق.