اللفظ المحسوس، وما يتميز به في الشعر من مدلول شعوري عنه في التاريخ والمنطق واللغة وسائر العلوم.
والأدب أيضا لا يعتمد على العقل وحده كالشأن في غيره من العلوم، ولكنه يعتمد على العقل والخيال معا، لأن الخيال لغة العاطفة الحارة، ولسان الشعور الحي الفياض، كما أن الحقيقة لغة العقل والفكر، والخيال والعقل غير متناقضين، بل هما يسيران معا جنبا إلى جنب في الكشف عن جوهر الحقائق، والخيال الحيوي المنتج هو المرحلة القوية النابضة للوصول إلى الحقائق، والوسيلة الجيدة في الكشف عن أسرارها، لأنه هو الصلة القوية في الإنسان العاجز عن إدراك الحقيقة، يهتك به أستارها المحجبة التي تند عن الأفهام؛ فهو يعمل ليحقق ما يصبو إليه المتخيل من آمال حرم منها في واقعه الذي يعيشه، وما لا يستطيع الواقع أن يحققه له.
والخيال ملكة في نفس الأديب تحقق التوازن بين الأشياء وتؤلف بين المتناقضات وتوفق بين المتعارضات، وتمزج بين الإحساس الجديد الطارئ، وبين القديم المخزون في النفس، وتركب بين الواقع المرئي المشاهد، وبين الواقع المذاب في الذهن، وتنظم بين الانفعال العادي، وبين الدرجة العالية منه؛ ليتم من وراء ذلك تأليف الصور المختلفة للخيال، التي يؤمها الأديب في بناء جديد، نتج عن علاقات جديدة من الأشياء المأخوذة من الواقع بالتغيير في أحجامها وأشكالها