الكلمتان، ثم ما اكتسبه كل منهما منذ نشأته، حتى أخذ مكانه من التصوير عند الشاعر، فإن الكلمة في هذه الفترة اكتسبت كثيرا من الملابسات والمشاعر المختلفة، وبقدر استيعاب الشاعر والناقد الأدبي لهذه المشاهد والملابسات يكون غناء الكلمة وثراؤها الشعوري والتاريخي.
فابن الرومي بهذين اللفظين وحدهما يصور حقيقة الأخرق وطبيعته المتوفرة: هو نار في خلاء مترام سواء أكان وعرا أو سهلا، إن تنسمت رياحه قليلا اضطرمت هذه النار وعم اشتعالها، واتسع ضررها، وجلبت المخاوف والآلام، وخيم الموت على المؤمل منهما النفع؛ لأنه لا حاجز في الخلاء، ولا ساتر يصد عن النار الرياح إن نشطت، ومع ذلك تنطفئ النار بالرذاذ الذي يتطاير من الأفواء، إن سكتت عنها النسيم، ثم نتخيل بعد ذلك ألفاظ البيتين وهي: "تضرم، نفخة، سقاها، تطفئه، تفلة، وعرة، سهلة" متنوعة الملابسات والخيالات، فقد انتقل بناء ابن الرومي فعلا بهذه الألفاظ إلى الواقع المحسوس في صحراء اجتمعت فيها تلك المشاهد في البيتين؛ لتتجلى فيهما صورة الأخرق؛ فهو إنسان يتراءى لبني جنسه بالخير الذي يعود على المجتمع، ولكنه إذا استثير لأتفه الأسباب كان هو الشر المستطير، فلا بيقي ولا يذر كما تراه متفتح الأوداج، سريع الحركات مدمر الضربات، طائش اللب، لا ينطوي إلا على شر خبيث لنفسه ولمجتمعه.
هذه هي صورة الأخرق في مدلولها الشعوري، كما جسمها