"فرع آخر": وهل يجوز اختصار الحديث، فيحذف بعضه، إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمذكور؟ على قولين: فالذي عليه صنيع (أبي عبد الله) (?) البخاري: اختصار الأحاديث في كثير من الأماكن (?). S
= قال القاضي عياض: (ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن، ممن يَظُن أنه يحسن، كما وقع للرواة قديماً وحديثاً).
والمتتبع للأحاديث يجد أن الصحابة - أو أكثرهم- كانوا يروون بالمعنى، ويعبرون عنه في كثير من الأحاديث بعباراتهم، وأن كثيرا منهم حرص على اللفظ النبوي، خصوصا فيما يتعبد بلفظه، كالتشهد، والصلاة، وجوامع الكلم الرائعة، وتصرفوا في وصف الأفعال والأحوال وما إلى ذلك.
وكذلك نجد التابعين حرصوا على اللفظ، وإن اختلفت ألفاظهم، فإنما مرجع ذلك إلى قوة الحفظ وضعفه. ولكنهم أهل فصاحة وبلاغة، وقد سمعوا ممن شهد أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسمع ألفاظه
وأما من بعدهم، فإن التساهل عندهم في الحرص على الألفاظ قليل، بل أكثرهم يحدث بمثل ما سمع، ولذلك ذهب بن مالك -النحوي الكبير- إلى الاحتجاج بما ورد في الأحاديث على قواعد النحو واتخذها شواهد كشواهد الشعر، وإن أبى ذلك أبو حيان رحمه الله. والحق ما اختاره ابن مالك.
وأما الآن، فلن ترى عالما يجيز لأحد أن يروي الحديث بالمعنى. إلا على وجه التحدث في المجالس. وأما الاحتجاج وإيراد الأحاديث رواية فلا.
ثم إن الراوي ينبغي له أن يقول عقب رواية الحديث: (أو كما قال) أو كلمة تؤدي هذا المعنى، احتياطًا في الرواية. خشية أن يكون الحديث مرويًّا بالمعنى. وكذلك ينبغي له هذا إذا وقع في نفسه شك في لفظ ما يرويه؛ ليبرأ من عهدته [شاكر]