. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . S
= من الأخبار بالجملة. والصحابة بخلاف ذلك، فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان: أحدهما الفصاحة والبلاغة، إذ جبلتهم عربية، ولغتهم سليقة. الثاني: أنهم شاهدوا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصد كله. وليس من أُخْبِرَ كمن عاينَ. ألا تراهم يقولون في كل حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) و (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا)، ولا يذكرون لفظه؟ وكان ذلك خبرًا صحيحًا، ونقلا لازماً. وهذا لا ينبغي أن يستريب فيه منصف لبيانه).
وقال ابن الصلاح [1] (ص 189): (ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره. والأصح جواز ذلك في الجميع، إذا كان عالما بما وصفناه قاطعًا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة. وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ. ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس - فيما نعلم- فيما تضمنته بطون الكتب. فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظًا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحَرجِ والنَّصَبِ، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره).
واقرأ في هذا الموضوع بحثاً نفيسًا للإمام الحافظ ابن حزم، في كتابه: (الإحكام في أصول الأحكام). (ج 2 ص 86 - 90).
وقد استوفى الأقوال وأدلتها شيخنا العلامة الشيخ طاهر الجزائري، رحمه الله في كتابه (توجيه النظر). (ص 298 ص 314)
وبعد: فإن هذا الخلاف لا طائل تحته الآن، فقد استقر القول في العصور الأخيرة على منع الرواية بالمعنى عملا، وإن أخذ بعض العلماء بالجواز نظرا. =
_____
[1] مقدمة (ص 394 - 396)