وكان الجواد هذا ظالماً جائراً عسوفاً سلط خادماً لزوجته يقال: الناصح، فصادر الدماشقة، وأخذ منهم نحواً من ستمائة ألف دينار، وقلق من مُلك دمشق وقال أيش أعمل بالملك؟ بازٌ وكلب أحبُّ إلىَّ من هذا، ثم خرج إلى الصيد، وكاتب الصالح نجم الدين أيوب فتقايضا من حصن كيفا وسنجار وما يتبع ذلك إلى دمشق، فملك الصالح أيوب دمشق - كما مرّ معنا - وخرج الجواد منها والناس يلعنونه في وجهه، بسبب ما أسداه إليهم من المصادرات، وأرسل إليه الصالح أيوب ليَُردَّ إلى الناس أموالهم فلم يلتفت إليه، وسار وبقيت في ذمته، ولما استقرَّ الصالح في ملك مصر، كما سيأتي، حبس الناصح الخادم فمات في أسوأ حالة من القلة والقملِ جزاءً وفاقاً "وما ربك بظلام للعبيد" (?) (فصلت:46).
4 - وفاة صاحب حمص الملك المجاهد أسد الدين شيركوه 637هـ:
ابن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي، ولاّه إياها الملك الناصر صلاح الدين بعد موت أبيه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، فمكث فيها سبعاً وأربعين سنة وكان من أحسن الملوك سيرة طهّر بلاده من الخمور والمكوس والمنكرات، وهي في غاية الأمن والعدل، لا يتجاسر أحدٌ من الفرنج ولا العرب يدخل بلاده إلا أهانه غاية الإهانة، وكانت ملوك بني أيوب يتَّقونه، لأنه كان يرى أنه أحق بالأمر منهم، لأن جِدهّ هو الذي فتح مصر، وأول من ملك منهم وكانت وفاته رحمه الله لحمص وعُمل عزاؤه في بجامع دمشق، عفا الله عنه بمنه (?).