أما الناصر فإنه استولى على غزة والسواحل، وبعث إلى الملك العادل يطلب منه المساعدة على أخذ دمشق، ولكنه عوجل من الجواد، والتقى الجيشان الأيوبيان بالقرب من نابلس، ومني الناصر بهزيمة مريرة في منتصف ذي الحجة، فعاد مثقلاً بالآمه في معقله، قلعة الكرك (?) وأما في الشرق حيث الملك الصالح نجم الدين أيوب فإنا نجد مسرحاً من مسارح الصراع، مع اختلاف في الوجوه والأغراض، ففي سنة 635هـ شق الخوارزمية عصى الطاعة على الملك الصالح، ولما رأى الأخير أن كفة المنشقين هي الراجحة هرب إلى سنجار، ونتيجة لذلك تطلع مناهضوه للاستيلاء على بلاده فمن ناحية تحكم الخوارزمية في البلاد الجزرية، ومن نايحة أخرى أخذ السلطان غياث الدين كيخسر - صاحب الروم - يتصرف في منطقة نفوذ الملك الصالح كما لو كانت قد أصبحت تحت نفوذه هو وبعث إلى الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف، صاحب حلب، توقيعاً بالرها وسروج ... وأقطع المنصور ناصر الدين الأرتقي، صاحب ماردين، مدينة سنجار ومدينة نصيبين، وأقطع المجاهد أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، بلده عانة وغيرها من بلاد الخابور وعزم السلطان غياث الدين كيخسروا أن يأخذ لنفسه من بلاد الصالح أيضاً آمد وسميساط (?)، ونلتفت إلى الملك الصالح نفسه وهو سنجار فنجد أن المتاعب لم تبتعد عنه، فقد حاصره بها بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، ولما شعر الزعيم الأيوبي أنه لا طاقة له بلؤلؤ ومن معه أرسل إليه ملتمساً الصلح، وقد قابل لؤلؤ هذه المبادرة بالرفض، والإصرار على أن يحمل الملك الصالح في قفص إلى بغداد، وحينئذ لجأ الأخير إلى الاستعانة بأعدائه الخوارزمية، فبعث إليهم حيث كانوا بحران فأسرعوا لنجدته، وأرغموا حاكم الموصل على رفع الحصار والعودة إلى بلده (?).