وفي حقيقة الأمر أن النتيجة الكبرى، التي تمخضت عنها تمثلت في عودة بيت المقدس للصليبيين دون إراقة الدماء ومن خلال حملة صليبية عجيبة خرجت ولعنات البابا تلاحق زعيمها فردريك الثاني، وإذا كانت قد حققت ذلك الهدف الكبير إلا أنها - من ناحية أخرى - تمكنت من زرع بذور الإنشقاق والاختلاف بين المسلمين بشأن اتفاقية يافا 1229م 627هـ المثيرة لأكبر قدرة من الجدل بين المعاصرين وحتى المتأخرين ومن زاوية أخرى؛ نجد أن تلك الحملة جعلت لألمانيا موقعها الجديد الفعال على خريطة القوى السياسية الأوروبية المشاركة في المشروع الصليبي، ويلاحظ أننا بذلك لدينا ثلاثة أباطرة من الألمان شاركوا في ذلك المشروع منذ بدايته، فهناك كونراد الثالث الذي شارك في الصليبية الثانية، ثم فردريك بارباروسا الذي شارك في الثالثة أما فردريك الثاني فحقق إنتصاراً كبيراً عجز عن تحقيقه من قبل ملك فرنسا فيليب أغسطس، وملك انجلترا ريتشارد الأول قلب الأسد، وبذلك تدعم النفوذ الألماني شرق البحر المتوسط حيث رأى أنه لا حل لمشكلة الحرمان الكنسي الذي فرضه البابا جريجوري التاسع إلا بالاشتراك في حملة صليبية في بلاد الشام، على نحو عكسي أن السياسة الخارجية الألمانية حينذاك كانت على صلة وثيقة بالسياسة الداخلية وأنهما كانا وجهي عملة واحدة وأن المستقبل السياسي لذلك الإمبراطور الألماني لم يكن في ألمانيا ذاتها؛ بل في بلاد الشام ذاتها وكذلك نتج عن تلك الحروب الصليبية أن اتضح لنا أن البابوية جعلت من القدس لعبة سياسية، فهي، لا تقبل عودتها على يد رجل فرض عليه الحرمان الكنسي بل لابد من أن يكون ذلك من خلال رجل أداءه طيعة في يدها على نحو أوضح لنا الدور السياسي الذي لعبته البابوية التي كانت تتباكى من قبل على ضياع تلك المدينة المقدسة في أيدي المسلمين، وها هي الآن تضع العراقيل لتحول دون عودتها للمسيحيين. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015