وهذه الأسماء التي تختلف دلالتها بالإطلاق والتقييد والتجريد والاقتران، تارة يكونان إذا أفرد أحدهما أعم من الآخر، كاسم [الإيمان] و [المعروف] مع العمل ومع الصدق، وك [المنكر] مع الفحشاء ومع البغي ونحو ذلك. وتارة يكونان متساويين في العموم والخصوص، كلفظ [الإيمان] ، و [البر] ، و [التقوى] ، ولفظ [الفقير] ، و [المسكين] . فأيها أطلق تناول ما يتناوله الآخر، وكذلك لفظ [التلاوة] ، فإنها إذا أطلقت في مثل قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [البقرة: 121] ، تناولت العمل به كما فسره بذلك الصحابة والتابعون مثل ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم، قالوا: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} يتبعونه حق اتباعه، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، وقيل: هو من التلاوة بمعنى الاتباع، كقوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [الشمس: 2] ، وهذا يدخل فيه من لم يقرأه، بل من تمام قراءته أن يفهم معناه ويعمل به، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: عثمان ابن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تَعَلَّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [البقرة: 121] قد فسر بالقرآن وفسر بالتوراة، وروى محمد بن نصر بإسناده الثابت عن ابن عباس: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} قال: يتبعونه حق اتباعه. وروي أيضاً عن ابن عباس: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} قال: يحلون حلاله، ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه، وعن قتادة: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} قال: أولئك أصحاب محمد آمنوا بكتاب الله وصدقوا به، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، وعملوا بما فيه، ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول: إن حق تلاوته: أن يحل حلاله ويحرم حرامه، وأن نقرأه كما أنزل الله، ولا نحرفه عن مواضعه، وعن الحسن: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} قال: يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه،