فالقرآن لا يخاطب صنفاً واحداً من البشر له تجاه عقلي أو نفسي معين، مغفلاً عن عداه من الأصناف ذوي الاتجاهات المتعددة كلا، إنه يخاطب كل الأصناف ويشبع كل الاتجاهات الإنسانية السوية، في توازن لا يقدر عليه إلا منزل القرآن وخالق الإنسان (?).
1ـ إن طالب الحقيقة العقلية يجد في القرآن ما يرضي منطقه ويأخذ بلبه إذا سمعه يصيح بالعقل أن ينظر ويفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن يعتمد على البرهان وحده في العقليات.
قال تعالى:" قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة، آية: 111).
وعلى المشاهدة والتجربة في الحسيات، قال تعالى:" أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ" (الأعراف، آية: 185).
وعلى الصدق وتوثيق الرواية في النقليات، قال تعالى:" اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (الأحقاف، آية: 4).
ويكفي أن مشتقات العقل مثل "يعقلون" و"تعقلون" ذكرت في القرآن ثماني وخمسين مرة، وذكرت مشتقات الفكر سبع عشرة مرة، وذكرت كلمة "الألباب" أي العقول ست عشرة مرة، وهذا غير الآيات التي اشتملت على كلمات ومشتقات أخر مثل: النظر، والاعتبار والتدبر والحجة والبرهان والنهى والحكمة والعلم ونحو ذلك مما يبحث عنه طلاب الحقائق العقلية، فلا يجدونه في كتاب ديني غير القرآن.
2ـ والباحث عن "الحقيقة الروحية" يجد في القرآن ما يرضى ذوقه ويغذي وجدانه، ويشبع نهبه وتطلعاته في آفاق الروح، في مثل قصة موسى والعبد الصالح الذي قال الله فيه:" فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا" (الكهف، آية: 65).