ج ـ ونأخذ من هذا: إن الفتوحات في عهد عثمان كانت بإذن وأمر من الخليفة، وأن القرار العسكري يصدر من المدينة، وأن الولايات الإسلامية كلها كانت خاضعة لأمر الخليفة عثمان في عهده، بل يدّل على أن هناك إجماعاً من الصحابة والتابعين في جميع الأقاليم على خلافة عثمان، وقدوم حذيفة بن اليمان إلى المدينة، لرفع اختلاف الناس في قراءة القرآن، يدل على: أن القضايا الشرعية الكبرى كان يستشار فيها الخليفة في المدينة، وأن المدينة ما زالت دار النة ومجمع فقهاء الصحابة (?).
جمع عثمان رضي الله عنه المهاجرين والأنصار، وشاورهم في الأمر، وفيهم أعيان الأمة، وأعلام الأئمة، وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وعرض عثمان رضي الله عنه هذه المعضلة على صفوة الأمة وقادتها الهادين المهديين، ودارسهم أمرها، ودارسوه، وناقشهم فيها وناقشوه، حتى عرف رأيهم وعرفوا رأيه، فأجابوه إلى رأيه في صراحة لا تجعل للريب إلى قلوب المؤمنين سبيلاً، وظهر للناس في أرجاء الأرض من عقد عليه إجماعهم فلم يعرف قط يومئذ لهم مخالف، ولا عرف عند أحد نكير، وليس شأن القرآن الذي يخفى على آحاد الأمة فضلاً عن علمائها وأئمتها البارزين (?).
إن عثمان رضي الله عنه لم يبتدع في جمعه المصحف، بل سبقه إلى ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كما أنه لم يضع ذلك من قبل نفسه، إنما فعله عن مشورة للصحابة رضي الله عنهم وأعجبهم هذا الفعل، وقالوا: نعم ما رأيت، وقالوا: أيضاً قد أحسن أي: في فعله في المصاحف (?).