أ ـ أن السبب الحامل لعثمان رضي الله عنه على جمع القرآن مع أنه كان مجموعاً، مرتباً في صحف أبي بكر الصديق، إنما هو اختلاف قرّاء المسلمين في القراءة، اختلافاً أوشك أن يؤدي بهم إلى أخطر فتنة في كتاب الله تعالى، وهو أصل الشريعة، ودعامة الدين، وأساس بناء الأمة الإجتماعي، والسياسي، والخُلُقي، حتى إن بعضهم كان يقول لبعض: إن قراءتي خير من قراءتك، فأفزع ذلك حذيفة ففزع إلى خليفة المسلمين، وإمامهم، وطلب إليه أن يدرك الأمة قبل أن تختلف، فيستشري بينهم الاختلاف، ويتفاقم أمره، ويعظم خطبه، فيُمسّ نصُّ القرآن، وتُحرّف عن مواضعها كلماته وآياته، كالذي وقع بين اليهود، والنصارى من اختلاف كل أمة على نفسها في كتابها.
ب ـ أن هذا الحديث الصحيح قاطع بأن القرآن الكريم كان مجموعاً في صحف ومضموماً في خيط، وقد اتفقت كلمة الأمة اتفاقاً تاماً على أن ما في تلك الصُّحف هو القرآن كما تلقته عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عرضية على أمين الوحي جبريل عليه السلام، وأن تلك الصحف ظلت في رعاية الخليفة الأول أبي بكر الصديق، ثم انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ثم عرف عمر حضور أجله ولم يوِّلى عهده أحداً معيناً في خلافة المسلمين، وإنما جعل الأمر شورى في الرّهط المعطفين بالرّضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصى بحفظ الصحف عند ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأن عثمان اعتمد في جمعه على تلك الصُّحف، وعنها نقل مصحفه "الرّسمي" وأنه أمر أربعة من أشهر قرّاء الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن، ووعياً لحروفه، وأداءً لقراءاته، وفهماً لإعرابه ولغته: ثلاثة قرشيين وواحداً أنصارياً، وهو زيد بن ثابت صاحب الجمع الأول في عهد الصديق بإشارة الفاروق.
وفي بعض الروايات: أن الذين أمرهم عثمان أن يكتبوا من الصحف اثنا عشر رجلاً، فيهم أبي بن كعب، وآخرون من قريش والأنصار (?).