إن زيداً اتبع طريقة في الجمع نستطيع أن نقول عنها في غير تردد، أنها طريقة فذّة في تاريخ الصناعة العقلية الإنسانية وأنها طريقة التحقيق العلمي المألوف في العصر الحديث وأن الصحابي الجليل قد اتبع هذه الطريقة بدقة دونها كل دقة وأن هذه الدقة في جمع القرآن متصلة بإيمان زيد بالله، فالقرآن كلام الله جل شأنه فكل تهاون في أمره أو إغفال للدقة في جمعه وزر ما كان أحرص زيداً ـ في حسن إسلامه وجميل صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنزه عنه.
إن ما قام به زيد بن ثابت رضي الله عنه بتكليف من خليفة المسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاونة عمر رضي الله عنه وأبي بن كعب ومشاركة جمهور الصحابة ممن كان يحفظ القرآن أو يكتبه (?)، وإقرار جمع من المهاجرين والأنصار مظهر من مظاهر العناية الربانية بحفظ القرآن الكريم وتوفيق من الله للأمة الإسلامية وشديد منه لمسيرتها ويتضمن ذلك ـ أيضاً ـ كما قال أبو زهرة: حقيقتين مهمتين تدلان على إجماع الأمة كلها على حماية القرآن الكريم من التحريف والتغيير والتبديل، وأنه مصون بعناية الله سبحانه وتعالى، ومحفوظ بحفظه وإلهام المؤمنين بالقيام عليه وحياطته (?).