الأولى: أن عمل زيد رضي الله عنه لم يكن كتابة مبتدأة، ولكنه إعادة مكتوب (?)، فقد كتب القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل زيد الإبتدائي هو البحث عن الرقاع والعظام التي كان قد كتب عليها والتأكد من سلامتها بأمرين، بشهادة أثنين على الرقعة التي فيها الآية والآيتان أو الآيات، وبحفظ زيد نفسه، وبالحافظين من الصحابة، وقد كانوا الجمع الغفير والعدد الكبير، فما كان لأحد أن يقول: إن زيداً كتب من غير أصل مادي قائم، بل إنه أخذ من أصل قائم ثابت مادي وبذلك نقرر أن ما كتبه زيد هو تماماً ما كتب في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس كتابة زيد، بل ما كتب في عصره عليه الصلاة والسلام وأملاه وما حفظه الروح القدس.
الثانية: أن عمل زيد لم يكن عملاً آحادياً، بل كان عملاً جماعياً من مشيخة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد طلب أبو بكر إلى كل ما عنده شيءٌ مكتوب أن يجيء به إلى زيد وإلى كل من يحفظ القرآن أن يدلي إليه بما يحفظه، واجتمع لزيد من الرقاع والعظام وجريد النخل ورقيق الحجارة وكل ما كتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك بدأ زيد يرتبه ويوازنه ويستشهد عليه، ولا يثبت آية إلا إذا اطمأن إلى اثباتها، كما أوحيت إلى رسول الله (?).
وأستمر الأمر كذلك، حتى إذا ما أتم زيد ما كتب، تذاكره الناس، وتعرفوه وأقروه، فكان المكتوب متواتراً بالكتاب ومتواتراً بالحفظ في الصدور، وما تمّ هذا الكتاب في الوجود غير القرآن (?) ـ وأيم الله ـ عناية من الرحمن خاصة بهذا القرآن العظيم (?).
وشرف للأمة الإسلامية تميزت به على سائر الأمم ووفقها الله لخدمة كتابه في منهج علمي سبقت إليه جميع الأمم (?).