هذا عن ترتيب آي القرآن وسوره أما عن كتابته، فمن المعلوم أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، أجمع على ذلك عامة المؤرخين وكل المشركين الذين كانوا على عهد رسول الله، لذا فقد كان يعهد بكتابة ما يتنزل عليه من القرآن إلى أشخاص من الصحابة بأعيانهم كانوا يُسمون كتاب الوحي، وأشهرهم الخلفاء الأربعة وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، والزبير بن العوام، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن رواحة، وقدا كانوا يكتبون ما يتنزل من القرآن تباعاً حسب الترتيب الذي يأتي به جبريل فيما تيسر لهم، من العظام المرققة والمخصصة لذلك، وألواح الحجارة الرقيقة والجلود، وقد كانوا يضعون ما يكتبونه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكتبون لأنفسهم إن شاءوا صوراً عنها يحفظونها لديهم، ولقد كان من الصحابة من يتتبع ما ينزل من آيات القرآن وتتبع ترتيبها فيحفظها عن ظهر قلب، حتى كان فيهم من حفظ القرآن كله، فمن المشاهير أبي بن كعب وزيد بن ثابت وآخرون (?).
وظل الصحابة يعكفون على حفظ القرآن غيباً، حتى ارتفعت نسبة الحفاظ منهم إلى عدد لا يحصى.
يتضح لك من هذا الذي ذكرناه أن القرآن وعاه الصدر الأول من الصحابة وبلغوه إلى من بعدهم بطريقتين اثنتين:
أحدهما: الكتابة التي كانت تتم للقرآن بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأشخاص بأعيانهم وكّل إليهم هذا الأمر ولم ينتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه إلا والقرآن مكتوب كله في بيته.
الثانية: حفظه في الصدور عن طريق التلقي الشفهي من كبار قراء الصحابة وحفاظهم الذين تلقوه بدورهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أقرهم على كيفية النطق والأداء (?).