فسماهم الله تعالى أبراراً، ومعلوم أن الأبرار لهم صفات كثيرة تدل على عظمة إيمانهم وتعبدهم، ولكن لم يذكر الله تعالى في هذه الآية الدالة على مبلغ ثوابهم وأجرهم إلا صفة الوفاء والخوف، وذلك لأن هذا الوصف أبلغ في التوفر على أداء الواجبات، لأن من وفى بما أوجبه الله على نفسه لله، كان أوفى بما أوجبه الله عليه بالأولى (?)، وذلك يدل على قوة الإيمان، إذ لا يدفع إلى الوفاء بالنذر إلا قوة الإيمان، وتفاوت الناس عند الله تعالى إنما يكون بحسب قوة إيمانهم وضعفه، كما دل عليه قوله تعالى:" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات، آية: 13).
جعلنا الله من أهل الوفاء والتقوى بمنه وكرمه (?).
فهذه من أهم مقاصد القرآن الكريم، وقد تناولنا بعضها، كتصحيح المتعقد، وتقوى الله وعبادته وتزكية النفس، والحرية، والشورى، وكرامة الإنسان، وتحرير المرأة من ظلم الجاهلية، وتكوين الأسرة، وبناء الأمة الشهيدة على الناس، والسماحة، والرحمة، والوفاء بالعهود.
وردت لفظ "الجمع" بمعنى: "الحفظ مع دقة الترتيب" عدة مرات في كتاب الله وذلك من مثل قوله تعالى مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم:" لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" (القيامة، آية: 16 ـ 19).