فوصف الله تعالى أصحاب هذه الأخلاق، ومنها خلق الوفاء بأنهم أهل صدق وأهل تقوى، وذلك لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واتقوا عذابه وعقابه الذي وعد به الناكثين والخائنين، فتأمل مبلغ هذا الثناء من الملك الجليل المتضمن للتنويه العظيم بأهل تلك الأخلاق الكريمة تجد التعبير قاصراً عن إدراك كنهه، لما ينطوي عليه من الجزاء الكبير المعد لأؤلئك الموصفين بهذه الصفات، إذ هو بحسب مقام المُثني والمثيب، وجعلنا الله ممن نال حظاً من ثنائه وجزائه الكريم، فإن جزاءه الكريم لهو الجزاء الأوفى، ولا غرو أن ينال أهل الوفاء ذلك الثناء وذلك الجزاء العظيم، فإنهم قد تحلوا بذلك الخلق العظيم الذي هو من صفات الحق تبارك وتعالى، فإنه سبحانه ذو الوفاء الذي لا يدانيه وفاء، كما أخبر سبحانه عن نفسه وهو أصدق القائلين بقوله:" وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ" (التوبة، آية: 111).
كما أنه من صفات أنبياء الله عليهم الصلاة السلام فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام قد ضرب المثل في الوفاء، إذ وفىّ وفاء لم يُعرف أحد من البشر أن ابتلى بمثله، وذلك حينما أمره الله تعالى بأن يذبح ابنه، فلذة كبده بيده فما كان منه إلا أن امتثل أمر ربه، وطاوعه ابنه على أمر ربه، وتلّه للجبين ليحقق أمر الله، فلما علم الله صدقه ووفاءه فداه بذبح عظيم وناداه معبراً عن رضاه عنه وعن وفائه بقوله:" يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات، آية: 104 ـ 105) (?).
كما ابتلاه الله أيضاً بكلمات من التكاليف الشرعية، قال تعالى:" وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة، آية: 124).