ج ـ قطع الطريق: قال تعالى:" وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ" (الأعراف، آية: 86). وفي هذه الآية نهيُ عما كانوا يفعلونه من القعود في طريق من يريد المجيء إلى شعيب لسماع دعوته، فيصدونه ويقولون: إنه كذاب (?)، وهذا من الأوجه التي حُملت هذه الجملة، وذكر فيها وجهان آخران، أولهما: قطع الطريق وسلب أموال الناس، وثانيهما: القعود في الطرق لأخذ العشور من الناس وجوّز الشوكاني رحمه الله حمل الحملة على هذه الأوجه كلها (?).

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها شعيب عليه السلام في معالجة هذه الإنحرافات في قومه فإنه لم يلق منهم غير العناد والإصرار، وذلك لشيوع تلك الانحرافات بينهم وتأصلها فيهم، وفي آخر الأمر ردوا عليه ردّاً قبيحاً، إذ اعتبروا محاولاته في صرفهم عن معاملاتهم الجائرة ضرباً من الهذيان سببه ما يدوم عليه من الصلاة، قال تعالى:" قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ" (هود، آية: 87)، فقولهم:" أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء" يعنون به ما درجوا عليه من نقص المكيال والميزان وبخس الناس حقوقهم وسائر معاملاتهم الظالمة، فاستهزأوا بشعيب، وأنكروا عليه تدخله في تلك الأمور، بدعوى أن الأموال لهم، وهم أحرار فيها، يتصرفون فيها كيف شاءوا، ويفرضون على الناس ما يحقق لهم الأرباح.

وهذا عين ما يردِّده المنحرفون عن المنهج الرباني في هذا العصر، بل وفي كل عصر، يتعاطون أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الغش والخداع، والحيل والربا وسائر المعاملات المحرمة، فإذا نهوا عن ذلك تعللوا واحتجوا بما يسمونه بحرية الاقتصاد، واستنكروا أن يتدخل الدين في هذه الأمور (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015