والمقصود: بيان عظم شأن القرآن العظيم، وفساد رأي الكفرة، حيث لم يقدّروا قدره العلي، ولم يعدّوه من قبيل الآيات فاقترحوا غيره، مما أُوتي موسى وعيسى عليهما السلام .. فالمعنى:" لَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ" أي: بإنزاله أو بتلاوته عليها، وزعزعت عن مقارها كما فُعل ذلك بالطور لموسى عليه الصلاة والسلام " أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ" أي: شققت وجُعلت أنهاراً وعيوناً، كما فعل بالحجر حين ضربه عليه السلام بعصاه أو جعلت قطعاً متصدّعة أو " أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى" أي: بعد ما أحييت بقراءته عليها، كما أُحيت لعيسى عليه السلام، لكان هذا القرآن لكونه الغاية القصوى في الانطواء على عجائب آثار قدرة الله تعالى وهيبته (?).
من مظاهر عظمة القرآن وعلو شأنه، أن الله تعالى تحدّى الإنس والجنَّ أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله أو بسورة مثله (?).
قال تعالى:" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء، آية: 88).
وقال تعالى:" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ" (هود، آية: 13 ـ 14).
ومع ذلك كله، ما ثابوا إلى رشدهم، وما وجدوا ما يتكلمون به فعادوا لما نهوا عنه وقالوا:" أختلقه محمد عمداً"، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون ووصل بهم إلى غاية التّبكيت والخذلان وتحدّاهم أن يأتوا بسورة مثل القرآن فعجزوا.