فالسماحة من أكبر صفات الإسلام الكائنة وسطاً بين طرفي إفراط وتفريط، وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" (?).
فرجع معنى السماحة إلى التيسير المعتدل، وهو معنى اليسر الموصوف به الإسلام، قال تعالى: " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة، آية: 185).
واستقراء الشريعة يدل على هذا الأصل في تشريع الإسلام، فليس الاستدلال عليه بمجرد هذه الآية أو هذا الخبر، حتى يقول معترض إن الأصول القطعية لا تثبت بالظواهر، لأن أدلة هذا الأصل كثيرة منتشرة وكثرة الظواهر تفيد القطع ولهذا قال الامام مالك بن أنس في مواضع من الموطأ ودين الله يسر وحسبك بهذه الكلمة من ذلك الامام فإنه ما قالها حتى استخلصها من استقراء الشريعة إن السماحة أكمل وصف لاطمئنان النفس وأعون على قبول الهدى والإرشاد (?)، قال تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران، آية: 159).
إن حكمة السماحة في الشريعة أن الله جعل هذه الشريعة دين الفطرة، وأمور الفطرة راجعة إلى الجبلة فهي كائنة في النفوس سهل عليها قبولها، ومن الفطرة النفور من الشدة والإعنات، قال تعالى: " يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا" (النساء، آية: 28).
وقد أراد الله أن تكون الشريعة الإسلامية شريعة عامة دائمة، فاقتضى ذلك أن يكون تنفيذها بين الأمة سهلأ، ولا يكون ذلك إلا إذا انتفى عنها الاعنات، بسماحتها أشدَّ ملاءمة للنفوس، لأن فيها إراحة النفوس في حاليْ خُوَيصتها ومجتمعها (?).