وإذا كان صاحب الإيمان بالقدر لا يمن ولا يستعلي على من فعل له خيراً، فمن باب أولى أن لا يكون كذلك إذا لم يفعل له شيئاً، وبهذا المسلك الحميد من صاحب الإيمان بالقدر، أي يفعله الخير للناس دون منة أو استعلاء عليهم أو طلب العوض منهم يكون من الذين قال الله فيهم "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا" (الإنسان، آية: 9).
ومن ثمرات الإيمان بالقدر الاستغناء بالخالق عن المخلوق والحرص على رضى الله وحده ورجاؤه والخوف منه، والتوكل عليه والاستعانة به وتفويض الأمر إليه والانكسار بين يديه وتبليغ رسالات الله بدون وجل ولا تردد ولا خشية من أحد على وجه الأرض "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" (الأحزاب، آية: 39).
وقال صلى الله عليه وسلم: من أرضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس (?).
فالسعيد الذي لا يعنيه إلا رضا الله، ولا يعنيه الشر إطلاقاً، لا يلتفت إلى الخلق، لأنه على يقين أن رزقه بيد الخالق، لا بيد الخلق وأن قلوب الخلق لا تقبل إليه بالحب والبغض إلا بتقدير الخالق، فهذا لا يعلق قلبه بالمخلوقين لا بثنائهم، لا ببغضهم، ولا بذمتهم، ولا بحمدهم، بل يعلق قلبه بربهم جل جلاله، فلا يعنيه إلا أن يقول: قال الله: قال رسوله بما يرضي الله سبحانه لا بما يُحصّلُ به رضا الناس (?)، فمن قال لله لا يخشى في الله لومة لائم، بالحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، أسعده الله في الدنيا والآخرة (?).