لكن قد يقول بعض الناس قولكم منقوض بقوله تعالى:"تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (الأعراف، آية: 43)، فدخول الجنة إنما يكون بالعمل فكيف تنفونه؟ أو تقللون من شأنه؟ والجواب أن الآية الكريمة دلت على أن العمل سبب لدخول الجنة، فالباء في قوله تعالى "بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" هي باء السببية ونحن لا ننكر الأسباب، ولا كون العمل الصالح سبباً للجنة، الذي تتكلم فيه وننفيه أن يكون العمل عوضاً وثمناً مكافئاً لدخول الجنة، وهذا ما نفاه الحديث الشريف، فالباء في قوله صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدكم الجنة بعمله: هي باء المعاوضة والثمنية، كما في قول القائل اشتريت هذا القلم بدرهم، فالعمل ليس عوضاً ولا ثمناً لدخل الجنة، ولا يصلح أبداً أن يكون عوضاً لها. ولتقريب هذا المعنى إلى الأذهان نقول أن الإنسان لو عبد ربه عمره كله وأتى بالصالحات فأية نسبة بين ما قدم من عمل في عمره المحدود وبين نعيم الجنة الدائم الممدود؟ أية نسبة بين عمل في زمن يتناهى، هو عمر الإنسان، وبين نعيم في زمن لا يتناهى هو نعيم الجنة؟ فلابد إذن من فضل الله ورحمته ليظفر المؤمن بالجنة، وهذا المعنى لا يمكن تحصيله وانصباغ النفس به إلا بالمشاهدة الدائمة للقدر عند فعل الخير والحسنات وفائدة أخرى لمشاهدة القدر عند فعل الحسنات هي أن المسلم إذا فعل خيراً لغيره وهذا من الحسنات، قد تتحرك فيه نوازع المنة على الغير وحب الاستعلاء عليه والاستشراف إلى طلب العوض منه، فهذه النوازع تموت إذا شاهد القدر وهو يفعل الخير لغيره لأنه بهذه المشاهدة يعلم أنه واسطة فقط لإيصال ما قدره الله من خير لذلك الغير، فلا داعي إذن لأنه يَمُنّ هو على هذا الغير أن يستعلي عليه أو يتطلع إلى العوض منه، أرأيت لو أن سيداً أرسل خادمه بهدية إلى شخص أيكون من حق الخادم أن يمن على المهدي إليه أو يستعلي عليه بهذه الهدية وهو محض واسطة لإيصالها إليه؟