الايمان بالقدر (صفحة 329)

وقد نقل هذا التصوير "ديل كارينجي" في كتابه "دع القلق وأبدأ الحياة"، كما نقل قول بعضهم: لقد وجدت أن القلق على الماضي لا يجدي شيئاً تماماً، كما لا يجديك أن تطحن الطحين، ولا أن تنشر النشارة، وكل ما يجديك إياه القلق هو: أن يرسم التجاعيد على وجهك، أو يصيبك بقرحة في المعدة (?).

ولكن الضعف الإنساني يغلب على الكثيرين، فيجعلهم يطحنون المطحون، وينشرون المنشور، ويبكون على أمس الذاهب، ويعضون على أيديهم أسفاً على ما فات، ويقلبون حسرة ما مضى، وأبعد الناس عن الاستسلام لمثل هذه المشاعر الأليمة، والأفكار السقيمة هو المؤمن الذي قوي يقينه بربه، وآمن بقضائه، وقدره فلا يسلم نفسه فريسة للماضي وأحداثه، بل يعتقد أنه أمر قضاه الله كان لا بد أن ينفذ، وما أصابه من قضاء الله لا يقابل بغير الرضا والتسليم (?).

إن شعار المؤمن دائماً: "قدر الله، وما شاء فعل، الحمد لله على كل حال"، وبهذا لا يأس على ما فات ولا يحيا في خضم أليم من الذكريات، وحسبه أن يتلو قوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (التغابن، آية: 11).

وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير"، أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" (?).

فقد أمر المؤمن في هذا الحديث بالحرص على ما ينفعه سواء في دينه أم دنياه، والاستعانة بالله على ذلك فهو الذي يهيء له الأسباب، ويزيل من طريقه العوائق، كما قال تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُو إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (الفاتحة، آية: 5).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015