الايمان بالقدر (صفحة 328)

وأخيراً ختم كلامه بقوله: وخلاصة القول أنني بعد انقضاء سبعة عشر عاماً على مغادرتي الصحراء ـ ما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقبل الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء والامتثال والسكينة، ولقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئة أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير (?).

8 ـ المؤمن لا يعيش بين "لو" و"ليت":

إن من أهم عوامل القلق الذي يفقد الإنسان سكينة النفس وأمنها ورضاها هو تحسره على الماضي وسخطه على الحاضر وخوفه من المستقبل.

إن بعض الناس تنزل به النازلة من مصائب الدهر، فيظل شهوراً وأعواماً آلامها، ويستعيد ذكرياتها القائمة، متحسراً تارة، متمنياً أخرى، شعاره: ليتني فعلت،، وليتني تركت، وأني فعلت كذا لكان كذا، وقديماً قال الشاعر:

ليت شعري وأين من "ليتُ"؟ ... إن "ايتا" وإن "لوّا" ـ غناء

ولذا ينصح الأطباء النفسانيون والمرشدون الاجتماعيون، ورجال التربية، ورجال العمل، أن ينسى الإنسان آلام أمسه، ويعيش في واقع يومه، فإن الماضي بعد أن ولَّى لا يعود.

ما مضى فات، والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أتت فيها

وقد صور هذا المعنى أحد المحاضرين بإحدى الجامعات بأمريكا تصويراً بديعاً لطلبته حين سألهم: كم منكم مارس نشر الخشب؟ فرفع كثير من الطلبة .. أصابعهم، فعاد يسألهم: وكم منكم مارس نشر نشارة الخشب؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه، وعندئذ قال المحاضر: بالطبع لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب، فهي منشورة فعلاً. وكذلك الحال مع الماضي: فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي، فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015