الايمان بالقدر (صفحة 327)

ثم أردف قائلاً: ودعني أضرب لك مثلاً لما أعنيه، هبت ذات يوم عاصفة عاتية حملت رمال وادي "الرون" في فرنسا وكانت العاصفة حارة شديدة الحرارة، ولكن العرب لم يشكو إطلاقاً، فقد هزوا أكتافهم، وقالوا كلمتهم المأثورة "قضاء مكتوب"، لكنهم ما أن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتهم، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء، فعلوا هذا كله في صمت وهدوء، دون أن تبدو من أحدهم شكوى، قال رئيس القبيلة الشيخ: لم نفقد الشئ الكثير، فقد كنا خليقين بأن نفقد كل شئ، ولكن حمداً لله وشكراً، فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا، وفي استطاعتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد (?).

وثمة حادثة أخرى، فقد كنا نقطع الصحراء بالسيارة يوماً فانفجرت إحدى الإطارات، وكان السائق قد نسي استحضار إطار إحتياطي، وتولاني الغضب وانتابني القلق والهم، وسألت صاحبي من الأعراب: ماذا وعسى أن نفعل؟ فذكرني بأن الاندفاع إلى الغضب لن يجدي فتيلاً، بل هو خليق أن يدفع الإنسان إلى الطيش والحمق، ومن ثم درجت بنا السيارة وهي تجري على ثلاث إطارات ليس إلا، لكنها ما لبثت أن كفت عن السير، وعلمت أن البنزين قد نفذ، وهنالك أيضاً لم تثر ثائرة أحد من رفاقي الأعراب، ولا فارقهم هدوؤهم، بل مضوا يقطعون الطريق سيراً على الأقدام (?).

وبعد أن استعرض بودلي تجربته مع عرب الصحراء علق بقوله: قد اقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء بين الأعراب الرحل ـ أن مرض النفوس، والسكيرين الذي يحفل بهم أمريكا، وأوربا ـ ما هم إلا ضحايا المدنية التي تتخذ السرعة أساساً لها، إنني لما أعان شيئاً من القلق قط وأنا أعيش في الصحراء، بل هنالك في جنة الله وجدت السكينة والقناعة والرضا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015