فالله سبحانه وتعالى لا يخلق الشر المحض الذي لا خير فيه، ولا منفعة فيه لأحد، وليس له فيه حكمة ولا رحمة، ولا يعذب الناس بلا ذنب، وقد بين العلماء ما في خلقه لإبليس والحشرات والكواسر من الحكمة والرحمة، فالشيء الواحد يكون خلقه باعتبار خيراً وباعتبار آخر شراً، فالله خلق إبليس يبتلي به عباده فمنهم من يمقته ويحارب منهجه، ويعاديه ويعادي أولياءه، ويوالي الرحمن ويخضع له، ومنهم من يواليه ويتبع خطواته (?).
هذا الموضوع له علاقة بالموضوع السابق، فالبحث فيه ناتج عن البحث في تعليل أفعال الله هل يحكم عليها بحكم العقل أولاً (?)؟ إن إطلاق التحسين والتقبيح على كل فعل من جهة العقل وحده دون الشرع، أو نفي أي دور للعقل في تحسين الأفعال أو تقبيحها غير صحيح، والمذهب الصحيح في هذه المسألة أنه: ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع:
1ـ أن يكون الفعل مشتملاً على مصلحة أو مفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك، كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم والظلم يشتمل على فساده، فهذا النوع هو حسن قبيح، وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك، لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقباً في الآخرة إذا لم يرد الشرع بذلك، وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح (?)، فإنهم قالوا: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث الله إليهم رسولا وهذا خلاف النص، قال تعالى:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" (الإسراء، آية: 15).
2ـ أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسناً، وإذا نهى عن شيء صار قبيحاً، واكتسب صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.