3ـ أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن به العبد، هل يطيعه أم يعصيه، ولا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم بذبح ابنه "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" (الصافات، آية: 103) حصل المقصود ففداه بالذبح وكذلك حديث الابرص والأقرع والأعمى لما بعث الله إليهم من سألهم الصدقة، فلما أجاب الأعمى قال الملك: أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم، فرضي الله عنك وسخط على صاحبيك (?)، فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به، فهذه الاقسام الثلاثة هي الصواب (?).
وهناك نقطة مهمة وهي: إن ادراك العقل لحسن الفعل أو قبحه أكثره مجمل، فالعقل لا يحيط بالوجوه والاعتبارات للأفعال كلها ولذلك كان الشرع وإرسال الرسل لابد منه خاصة مع غلبة الهوى، ولكن هذا لا يمنع وجود قدر مشترك بين العقلاء في إدراك حسن بعض الأفعال أو قبحها (?)، وإذا تتبعنا نصوص الشرع لوجدنا الدلالة على أن هذا مركوز في الفطرة ومن الأدلة على ذلك:
1ـ قال تعالى:"وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ" (الأعراف، آية: 28 ـ 29).
فالفاحشة هنا هي طواف المشركين عراة بالبيت رجالاً ونساء، فبين الله أنه لا يأمر به لقبحه، ثم بين الله أنه لا يأمر إلا بما هو حسن (?).