الايمان بالقدر (صفحة 296)

ولم يقل والشر بيدك، فلا ينسب الشر إلى الله أبداً، فضلاً عن أن يكون بيديه فلا ينسب الشر إلى الله لا إرادة ولا قضاء فالله لا يريد بقضاء الشر شراً، لكن الشر يكون في المقضي، وقد يلائم الإنسان وقد لا يلائمه، وقد يكون طاعة وقد يكون معصية، فهذا في المقضي، ومع ذلك فهو وإن كان شراً في محله فهو خير في محل آخر، ولا يمكن أن يكون شراً محضاً، حتى المقضي على كونه شراً ليس شراً محضاً، بل هو شر من وجه خير من وجه، أو شر في محل خير في محل آخر ولنضرب لذلك مثلاً: الجدب والفقر هذا شر، لكنه خير باعتبار ما ينتج عنه، قال تعالى:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم، آية: 41) والرجوع إلى الله ـ عز وجل ـ من معصيته إلى طاعته لا شك أنه خير وينتج خيراً كثيراً، فألم الفقر وألم الجدب وألم المرض وألم فقد الأنفس كله ينقلب إلى لذة إذا كان يعقبه الصلاح ولهذا قال:"لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وكم من أناس طغوا بكثرة المال وزادوا ونسوا الله ـ عز وجل ـ واشتغلوا بالمال فإذا أُصيبوا بفقر رجعوا إلى الله وعرفوا أنهم ضالون، فهذا الشر صار خيراً باعتبار آخر، كذلك قطع يد السارق لا شك أنه شر عليه لكنه خير بالنسبة لغيره، أما بالنسبة له فلأن قطعها يسقط عنه العقوبة في الآخرة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وهو أيضاً خير في غير السارق فإن فيه ردعاً لمن أراد أن يسرق وفيه أيضاً حفظ للأموال، لأن السارق إذا عرف أنه إذا سرق ستقطع يده امتنع من السرقة فصار في ذلك حفظ لأموال الناس (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015