وزاد ابن القيم نوعاً رابعاً، وهو ما نشأت المصلحة فيه من الفعل المأمور به والأمر معاً ومثاله: الصوم والصلاة والحج وإقامة الحدود وأكثر الأحكام الشرعية، فإن مصلحتها ناشئة من الفعل والأمر معاً، فالفعل يتضمن مصلحة والأمر به يتضمن مصلحة أخرى، فالمصلحة فيها من وجهين (?).
والأدلة الدالة على الحكمة كثيرة جداً ذكرها العلماء والفقهاء في كتبهم، وقد حاول ابن القيم حصرها بأنواعها ـ بعد أن ذكر أن آحاد الأدلة كثيرة يصعب سردها كلهاـ وقد أوصلها إلى إلى اثنين وعشرين نوعاً ومن هذه الأدلة:
النوع الأول: وهو أعلاها، ما ورد فيه التصريح بلفظ الحكمة قال تعالى: "حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ" (القمر، آية: 5)، أي أن الله أرى الكافرين في آياته ـ وهي هنا إنشقاق القمر ـ وأتاهم بأنباء زاجرة لهم عن غيهم وضلالهم، كل ذلك حكمة منه سبحانه لتقوم حجته على العاملين، ولا يبقى لأحد على الله حجة بعد الرسل.
النوع الثاني: ذكر ما هو من صرائح التعليل، وهو من أجل أو لأجل، قال الله تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (المائدة، آية: 32)، فقول "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ" متعلق بـ"كَتَبْنَا" بمعنى: السبب في الحكم بشرعية القصاص على ابن آدم لأجل قتل ابن آدم أخاه، وكان ذلك حراسة الدنيا.