وأما الحكمة الحاصلة من الشرائع فثلاثة أنواع:
ــ النوع الأول: حكمة حاصلة من الأمر بفعل مشتمل على مصلحة معلومة بأصل الفطرة والعقل، كالعدل والإحسان، والصدق، أو حاصلة من النهي عن فعل مشتمل على مفسدة معلومة بأصل الفطرة والعقل، كالظلم والكذب، فالعدل مشتمل على مصلحة العالم، والظلم يشتمل عل فسادهم، والشرع في أمره بالعدل ونهيه عن الظلم ولم يثبت للفعل صفة لم تكن ولكن لا يلزم من حصول القبح في الفعل بالعقل أن يكون فاعله معاقباً في الآخرة إذا لم يرد الشرع بذلك.
ــ النوع الثاني: حكمة حاصلة من الأمر بفعل، أو النهي عن فعل بحسب اشتماله على المصلحة والمفسدة التي لا تعرف بخطاب الشرع، فيكون الفعل قد اكتسب صفة الحسن والقبح بخطاب الشرع، كالتجرد في الإحرام والتطهر بالتراب، والسعي بين الصفاء والمروة، ورمي الجمار، ونحو ذلك.
ــ النوع الثالث: حكمة يكون منشؤها من الأمر لا من المأمور به، فيكون المراد من الأمر الإبتلاء والامتحان ولا يكون المراد فعل المأمور به ومثاله: أمر الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ بذبح ابنه إسماعيل ـ عليه السلام ـ فأراد الله إبتلاء خليله إبراهيم بعد أن رزقه الولد حتى يكون قلبه كله لله، ولم يكن تحقق ذبح ولده مراداً لله، وفي ذلك يقول الله تعالى: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ" (الصافات، آية: 102 ـ 106) فلما تحقق ما أراده الله نسخ الأمر وهو لم يكن مريداً وقوع ذبح ابنه (?).