وحين يقول: "أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" و"خَيْرُ الْحَاكِمِينَ"، فإن ذلك تأكيد على عدله ورحمته ووضعه الأشياء في موضعها، فليس في قدره ظلم ولا تعسُّف، وليس في شرعه محاباة ولا تحيز، بل هو حفظ للحقوق، حقوق الحاكم والمحكوم، والرجل والمرأة، والبرِّ والفاجر، والمسلم والكافر، والقوي والضعيف، وفي كل الأحوال حرباً وسِلماً، وعلى كل أحد دون استثناء، ولذا وجب على كل مسلم تحكيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في دقيق أموره وجلِّها على الصعيد الفردي والجماعي، والأسري، الخاص والعام، والسياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام، وكل شئ من حكمه وحكمته: أنه عدل لا يظلم أحداً، ولا يحمل هذا وزر ذاك، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ولا يدع محسناً إلا أثابه على إحسانه "إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا" (الكهف، آية: 30) (?).
2 ـ المراد بالحكمة: الغايات المحمودة المقصودة بفعل الله وشرعه، وهي مقدمة في العلم والإدارة، متأخرة في الوجود والحصول، أي أنها تترتب على الأحوال والأفعال وتحصل بعدها (?).
والحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إلى الله يحبها ويرضاها، فهي صفة له تقوم به، لأن الله لا يوصف إلا بما قام به، وهي ليست مطلق الإرادة، وإلا لكان كل مريد حكيماً ولا قائل به.
ثانيهما: حكمة تعود إلى عباده، هي نعمة يفرحون ويلتذون بها في المأمورات والمخلوقات والحكمة لا يحيط بها علماً إلا الله تعالى، وبعضها معلوم للخلق وبعضها مما يخفى عليهم.
والحكمة في أفعال الله تعالى نوعان (?):
ــ حكمة مطلوبة لذاتها، كما في قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات، آية: 56).