الايمان بالقدر (صفحة 279)

المبحث الثامن: الحكمة والتحسين والتقبيح وتكليف ما لا يطاق وقدرة الله عز وجل:

أولاً: الحكمة في أفعال الله وشرعه:

1 ـ الله الحكيم الحكم الحاكم:

من أسماء ربنا جل وتعالى التي عرَّف بها نفسه إلى عباده، وذكرها في كتابه، وعلى ألسنة رسله وأنبيائه "الحكيم"، وقد ورد هذا الاسم "الحكيم" أربعاً وتسعين مرة في القرآن الكريم، كما في قوله عز وجل: "الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" (البقرة، آية: 32)، "العَزِيزُ الحَكِيمُ" (البقرة، آية: 129)، "الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ" (الأنعام، آية: 18)، "وَاسِعًا حَكِيمًا" (النساء، آية: 130).

وقال تعالى: "أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً" (الأنعام، آية: 114).

فهذا دليل على أن اسمه أيضاً "الحكم"، وقد جاء في خمسة مواضع بصيغة الجميع منها: "وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" (الأعراف، آية: 87)، و"أَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" (هود، آية: 45)، و"أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ" (التين، آية: 8).

و"الحكيم": هو الذي يُحكم الأشياء ويتقنها ويضعها في موضعها، كما قال سبحانه "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" (النمل، آية: 88)، و"الحكيم" هو الذي يضع الشئ في موضعه بقدره، فلا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص، مع ما له في ذلك من الحكم البالغة العظيمة التي لا يأتي عليها الوصف، ولا يدركها الوهم (?).

فالحكيم الذي لا يدخل تدبيره ولا شرعه خلل ولا زلل، وأفعاله وأقواله تقع في مواضعها بحكمة وعدل وسداد، فلا يفعل إلا الصواب ولا يقول إلا الحق (?).

وأما "الحكم" فهو من له الحكم والسلطان والقدر، فلا يقع شئ إلا بإذنه وهو المدبر والمتصرِّف "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ" (الرحمن، آية: 29).

و"الحكم" أيضاً من له التشريع والتحليل والتحريم، فالحكم ما شرع الله، والدين ما أمر ونهى، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، فاجتمع في الاسم "القدر" و"الشرع" "أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ" (الأعراف، آية: 54).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015