فأفعال الله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي كلها بين الفضل والرحمة وبين العدل والحكمة، وما ينزل الله ـ سبحانه ـ بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة، فإنما فعل بهم ما يستحقونه، فإنه لا يأخذ إلا بذنب ولا يعذب إلا بعد قيام الحجة، وأقواله كلها عدل، فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهاهم إلا عمّا مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء ووزنه لأعمالهم لا جور فيه، كما قال تعالى:"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ" (الأنبياء، آية: 47)، فهو على صراط مستقيم في قوله، وفعله وحكمه (?).
وقال صلى الله عليه وسلم: عدل فِيّ قضاؤك (?). فالله عدل في جميع أقضيته في عبده، قضائه السابق فيه قبل إيجاده، وقضائه فيه المقارن لحياته، وقضائه فيه بعد مماته، وقضائه فيه يوم معاده (?).
وقال الله ـ على لسان نبيه هود عليه السلام:"إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (هود، آية: 56).
فأخبر عن عموم قدرته ونفوذ مشيئته وتصرفه في خلقه كيف شاء، ثم أخبر أنه في هذا التصرف والحكم على صراط مستقيم (?).
فالله يأمر بالعدل ويفعله وهو أعدل العادلين، فما قضى في عبده قضاء إلا هو واقع في محله الذي لا يليق به غيره، إذ هو الحكم العدل الغني الحميد (?).