إذا أراد وقوع شئ في هذا الوجود هيأ له أسبابه التي يقع بها، وذلك لأنه جعل نظام هذا الكون مبنياً على سنن لا تنخرم وقوانين لا تنخرم إلا بمشيئة الله عز وجل، كما هو الشأن في المعجزات وخوارق العادات، وهو استثناء من القاعدة التي قام عليها الكون من اعتبار الأسباب ـ حقيقة ـ في الوصول إلى مسبباتها، وقد قيل إذا أراد الله أمراً يسّر أسبابه، ومن التطبيقات الواضحة لهذا العنوان في القرآن الكريم ما جاء في حيثيات غزوة بدر وملابساتها، حيث هيأ الله تعالى أسباب النصر للمسلمين في هذا اليوم،، ولم يجعل نصرهم ـ في ظاهر الأمر ـ من قبيل الخوارق المحضة التي ليس للسبب فيها نصيب، خاصة في مثل هذا الموقف الشديد الذي عانى فيه المسلمون من قلة العدد والعتاد، كل ذلك ليتبين للمسلمين قبل غيرهم أن السنن الإلهية والقوانين الربانية التي قام عليها نظام الكون لا تتخلف عادة، وقد تجلت هذه الأسباب، وظهرت فيما جاء في قوله تعالى عن غزوة بدر: "إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ" (الأنفال، آية: 11).
فإن اغشاءهم النعاس كان من أسباب النصر، لأنهم لما ناموا زال أثر الخوف من نفوسهم في مدة النوم ولما استيقظوا وجدوا نشاطاً، ونشاط الأعصاب يكسب صاحبه شجاعة، ويزيل شعور الخوف الذي هو فتور الأعصاب (?).