فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط وانتفاء الموانع (?) ولابد من تمام الشروط وزوال الموانع ـ أي في انتاج الأسباب ـ وكل ذلك بقضاء الله وقدره وليس شيء من الأسباب مستقلاً بمطلوبه، بل لابد من انضمام أسباب أخرى إليه، ولابد أيضاً من صرف المواقع والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود، فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له، والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل الله في البدن من الأعضاء والقوى (?).
ـ قال تعالى:"أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ" (الواقعة، آية: 63 ـ 64) أي: إذا كانت منكم الحراثة والبذر ـ مع اعانتنا لكم على ذلك ـ فإن إتمام الزرع والإثمار وتوفير الشروط وإزالة الموانع من شأننا نحن، ويؤكد ذلك قوله تعالى:"أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ" (النمل، آية: 60).
فقد ذكر إنزال الماء لأنه من جملة ما خلق الله، ولقطع شبهة أن يقولوا: إن المنبت للشجر الذي فيه رزقنا هو الماء، اغتراراً بالسبب فبودر بالتأكيد بأن الله خلق الاسباب وهو خالق المسببات بإزالة الموانع والعوارض العارضة لتأثير الأسباب، وبتوفير القوى الحاصلة في الأسباب، وتقدير المقادير المناسبة للانتفاع بالأسباب، فقد ينزل الماء بإفراط فيجرف الزرع والشجر، أو يقتلهما، ولذلك جمع بين "وَأَنزَلَ" وقوله:"فَأَنبَتْنَا" تنبيهاً على إزالة الشبهة (?).