فلا منافاة بين الأخذ بالأسباب والإيمان بالقضاء والقدر، فمن القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء، وإستجلاب الرحمة، كما أن الترس سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح، وقد قال تعالى: "خُذُواْ حِذْرَكُمْ" (النساء، آية: 71)، وأن لا يسقي الأرض بعد بث البذور، فيقال: إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر، وإن لم يسبق لم ينبت، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر، والذي قدر الخير قدره بسببه، والذي قدر الشر قدر لدفعه سبباً، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته (?).
ولبيان ارتباط الأخذ بالأسباب وتناسقه مع الإيمان والقدر وفق الحكمة الإلهية يقول الرازي عن تفسير قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ" (النساء، آية: 71) أنه لما كان الكل لقدر كان الأمر بالحذر أيضاً داخلاً في القدر، فكان قول القائل: أي فائدة من الحذر كلاماً متناقضاً، لأنه لما كان هذا الحذر مقدراً، فأي فائدة في هذا السؤال الطاعن في الحذر؟ (?).
وحاصل تحقيق كلام الرازي: أن القدر عبارة عن جريان الأمور بنظام تأتي فيه الأسباب على قدر المسببات، والحذر من جملة الأسباب، فهو عمل بمقتضى القدر لا بما يضاده (?).