الايمان بالقدر (صفحة 232)

ويؤيد ذلك من السنة النبوية ما ورد أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هي من قدر الله (?)، وذلك لأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، وكذلك يكتبها، فإذا كان قد علم أنها تكون بأسباب من عمل وغيره، وقضى أنها تكون كذلك وقدر ذلك لم يجز أن يظن أن تلك الأمور تكون بدون الأسباب التي جعلها الله أسباباً، وهذا عام في جميع الحوادث (?).

إن قدر الله تعالى وقضاؤه غير معلومين لنا، إلا بعد الوقوع فنحن مأمورون بالسعي فيما عساه أن يكون كاشفاً عن موافقة قدر الله لمأمولنا، فإن استفرغنا جهودنا وحُرمنا المأمول علمنا أن قدر الله جرى من قبل على خلاف مرادنا، فأما ترك الأسباب فليس من شأننا، وهو مخالف لما أراد الله منا، وإعراض عما أقامنا الله فيه في هذا العالم، وهو تحريف لمعنى القدر (?).

إن القضاء والقدر اللذان ورد في القرآن ذكرهما ـ وجعلهما الناس مرتبطين بفعل الإنسان ومسلكه في الحياة ـ سوى النظام العام الذي خلق الله عليه الكون وربط فيه بين الأسباب والمسببات، وبين النتائج والمقدمات سنة كونية دائمة، لا تتخلف والحاصل أن الإسلام لا يسمح أن يضل الإنسان أو ينحرف عن أوامر الله في عقائده ودينه، ثم يعتذر بالقضاء والقدر، ولو صح ذلك لبطلت التكاليف وكان بعث الرسل وإنزال الكتب، ودعوة الإنسان إلى دين الله وما يجب، ووعده بالثواب لأهل الخير وبالعقاب لأهل الشر ـ باطلاً ـ لا يتفق وحكمة الخالق الحكيم في تصرفه وتكليفه الرحيم بعباده (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015