ـ الرجال الاشداء ذوو الخبرات الفنية العالية في النواحي العسكرية والعمرانية والاقتصادية الذين كانوا طوع بنان ذي القرنين، وكذلك خضوع الأقاليم له فتح الخزائن أمامه وتقديم خراج الشعوب له طواعية، كل ذلك لم يدخل في نفسه الغرور والبطر والطيش والغواية، بل بقي مثال الرجل المؤمن العفيف المترفع عن زينة الحياة الدنيا.
ـ الاهتمام باتخاذ الأسباب لبلوغ الأهداف والغايات التي سعى إليها حيث آتاه الله من كل شيء سبباً فأتبع سبباً.
الأسباب التي اتخذها ذو القرنين للتمكين لدين الله عز وجل:
أ ـ الدستور العادل:
إن المنهجية التي سار عليها ذو القرنين كحاكم مؤمن جعلته يلتزم بمعاني العدل المطلق في كل أحواله وسكناته ولذلك ساق الناس والأمم والشعوب التي حكمها بسيرة العدل، فلم يعامل الأقوام التي تغلب عليها في حروبه بالظلم والجور والتعسف والتجبر والطغيان والبطش، وإنما عملهم بهذا المنهج الرباني، قال تعالى: "قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا" (الكهف، آية: 87: 88).
وهذا المنهج الرباني الذي سار عليه يدل على إيمانه وتقواه، وعلى فطنته وذكائه، وعلى عدله ورحمته، لأن الناس الذين قهرهم وفتح بلادهم، ليسوا على مستوى واحد، ولا على صفات واحدة، ولذلك لا يجوز أن يعاملوا جميعاً معاملة واحدة، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، ومنهم الصالح، ومنهم الطالح، فهل يستوون في المعاملة؟ ذو القرنين: أما الظالم الكافر وسوف نعذبه لظلمه وكفره، وهذا التعذيب عقوبة له، فنحن عادلون في تعذيبه في الدنيا، ثم مرده إلى خالقه لينال عذابه الأخروي.