الايمان بالقدر (صفحة 187)

فقد وازن ذو القرنين بين الأسباب التي أتاحها الله له واتبعها واستقصاها، حتى إن القرآن يلح على ذلك ويبينه ويكرر التزامه في العمل بالأسباب، وذلك في مواضع ثلاثة من الآيات التي أشرنا إليها حيث يقول "فَأَتْبَعَ سَبَبًا" (الكهف، آية: 85) وبعدها يكرر:"ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا" (الكهف، آية: 89 ـ 92)، وقرن ذو القرنين بما انطوى عليه من أسباب معنوية، وما كان عليه من إيمان وتقوى وعمل صالح في قوله:"هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا" (الكهف، آية: 98)، فاجتمعت له الأسباب الظاهرة والباطنة فكان له التمكين والغلبة ونفع الناس وإعانتهم (?).

وذو القرنين علم قرآني بارز، خلّد الله ذكره في كتابه الخالد، إنه الرجل الطواف في الأرض، الصالح العادل الخاشع لربه والمنفذ لأمره، والقائم بين الناس بالإصلاح، والذي ملك أقاصي الدنيا وأطرافها، فلم يغره مال ولا منصب، ولا جاه ولا قوة ولا سلطان، بل إنه بقي ذاكراً لفضل ربه ورحمته، متأهباً لليوم الآخر ليلقى جزاءه العادل عند ربه ويكفي أن يبقى ذو القرنين تلك الشخصية العظيمة في التاريخ، وذلك العلم البارز في العدل والإصلاح والقيادة، ومثال الحاكم الصالح على مر التاريخ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بشهادة الكتاب الخالد (?).

إن القرآن الكريم اهتم بإخراج القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين وأعماله وأقواله مثل:

ـ الحكم والسلطان والتمكين في الأرض ينبغي أن يسخرلتنفيذ شرع الله في الأرض وإقامة العدل بين العباد، وتيسير الأمر على المؤمنين المحسنين وتضييق الخناق على الظالمين المعتدين ومنع الفساد والظلم وحماية الضعفاء من بطش المفسدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015