وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ
لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنتَ جابِرُهُ
ولو قال ذلك في ربه وفاطره لكان أسعد به من مخلوق مثله.
والمقصود أن ملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه، وأن يعوذوا به، كما أمر رسوله أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم في غير موضع من كتابه، وبذلك يظهر تمام نعمته على عبده إذا أعاذه وأجاره من عدوه، فلم يكن إعاذته وإجارته منه بأدنى النعمتين، والله تعالى يحب أن يكمل نعمته على عباده المؤمنين، ويريهم نصره لهم على عدوهم، وحمايتهم منه، وظفرهم به، فيا لها من نعمة كمل بها سرورهم ونعيمهم، وعدل أظهره في أعدائه وخصمائه.
وما منهما إلا له فيه حكمة ... يقصر عن إدراكها كل باحث (?)
تحدث العلامة ابن القيم، رحمه الله، عن ذلك في (شفاء العليل) ووضحه، فمن ذلك: (?)
فمما ذكره رحمه الله تعالى: أنّ الله جعله محكّاً ومحنة يخرج به الطيب من الخبيث، ووليّه من عدوه، ولذا اقتضت حكمته إبقاءَه ليحصل الغرض المطلوب بخلقه، ولو أماته لفات ذلك الغرض، كما أن الحكمة اقتضت بقاء أعدائه الكفار في الأرض إلى آخر الدهر، ولو أهلكهم ألبتة لتعطلت الحكم الكثيرة في إبقائهم، فكما اقتضت حكمته امتحان أبي البشر، اقتضت امتحان أولاده من بعده به، فتحصل السعادة لمن خالفه وعاداه، وينحاز إليه من وافقه وولاه.
ومنها أنه لما سبق حكمه وحكمته أنه لا نصيب له في الآخرة، وقد سبق له طاعة وعبادة، جزاه بها في الدنيا بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر، فإنه سبحانه لا يظلم