وإن أسخطه قتلهم أولياءه وأحبابه، وتمزيق لحومهم، وإراقة دمائهم، فقد أرضاه نيلهم الحياة التي لا أطيب منها، ولا أنعم، ولا ألذّ في قربه وجواره.
وإن أسخطه معاصي عباده، فقد أرضاه شهود ملائكته وأنبيائه ورسله وأوليائه سعة مغفرته وعفوه وبرّه وكرمه وجوده والثناء عليه بذلك، وحمده وتمجيده بهذه الأوصاف التي حمده بها والثناء عليه بها، أحب إليه، وأرضى له من فوات تلك المعاصي، وفوات هذه المحبوبات.
واعلم أن الحمد هو الأصل الجامع لذلك كله، فهو عقد نظام الخلق والأمر، والرب تعالى له الحمد كلّه بجميع وجوهه واعتباراته وتصاريفه، فما خلق شيئاً، ولا حكم بشيء إلا وله فيه الحمد، فوصل حمده إلى حيث وصل خلقه وأمره، حمداً حقيقياً يتضمن محبته والرضا به وعنه، والثناء عليه، والإقرار بحكمته البالغة في كل ما خلقه وأمر به، فتعطيل حكمته غير تعطيل حمده ... فكما أنه لا يكون إلا حميداً فلا يكون إلا حكيماً، فحمده وحكمته كعلمه وقدرته، وحياته من لوازم ذاته، ولا يجوز تعطيل شيء من صفاته وأسمائه ومقتضياتها وآثارها، فإن ذلك يستلزم النقص الذي يناقض كماله وكبرياءه وعظمته.
وفي هذا يقول ابن القيم:" كما أن من صفات الكمال وأفعال الحمد والثناء أنه يجود ويعطي ويمنح، فمنها أنّه يعيذ وينصر ويغيث، فكما يحب أن يلوذ به اللائذون يحب أن يعوذ به العائذون، وكمال الملوك أن يلوذ بهم أولياؤهم، ويعوذوا بهم، كما قَالَ الْمُتَنَبِّي في ممدوحه: (?)
يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ