أحداً حسنة عملها، فأمّا المؤمن، فيجزيه بحسناته في الدنيا والآخرة، وأمّا الكافر، فيجزيه بحسناته ما عمل في الدنيا، فإذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له شيء، كما ثبت هذا المعنى في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» (?)
وبقاؤه إلى يوم القيامة لم يكن كرامة في حقه، فإنّه لو مات كان خيراً له، وأخف لعذابه، وأقل لشره، ولكن لما غلظ ذنبه بالإصرار على المعصية ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه، والقدح في حكمته، والحلف على اقتطاع عباده، وصدهم عن عبوديته، كانت عقوبة الذنب أعظم عقوبة بحسب تغلظه، فأبقي في الدنيا، وأملى له ليزداد إثماً، على إثم ذلك الذنب، فيستوجب العقوبة التي لا تصلح لغيره، فيكون رأس أهل الشرّ في العقوبة، كما كان رأسهم في الشر والكفر. ولما كان مادة كل شر فعنه تنشأ، جوزي في النار مثل فعله، فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ فيه، ثم يسري منه إلى أتباعه عدلاً ظاهراً وحكمة بالغة.
ومن حكم إبقائه إلى يوم الدين أنّه قال في مخاصمته لربّه: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا