أوضحت هذه الآية منهج المغضوب عليهم الذي يمثل جانب التفريط، بينما يمثل منهج الضالين جانب الإفراط، فهما منهجان دائران بين الغلو والجفاء، والمسلمون هم الوسط (?).
وبدون فهم معنى (الصراط المستقيم)، وتحديد مدلوله، لا نستطيع فهم الوسطية على معناها الصحيح، وقد ورد لفظ الصراط المستقيم، في القرآن الكريم عشرات المرات، منها قوله تعالى: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)} الفتح: 2، و {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)} الأعراف: 16، و {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} الأنعام: 153، ونحو ذلك (?).
فنجد أنه لما قال الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} الفاتحة: 6، عرفه بقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} الفاتحة: 7، ثم حدده فقال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} الفاتحة: 7، فجعل الصراط المستقيم دالاً على الوسطية في مفهومها الشرعي الاصطلاحي، وبخاصة: أن مفهوم الوسطية وإطلاقها قد تحقق في معنى الصراط المستقيم، فالخيرية، والبينية ظاهرتان في هذا الأمر؛ فطريق الأخيار، وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين؛ هو بين طريقي: المغضوب عليهم، والضالين (?).
قال الإمام الطبري - رحمه الله -: في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وذلك في لغة جميع العرب (?).