ولم يسلم من هذه الأدواء والشرور إلا صاحب السنة، السائر على الصراط المستقيم، فهو بريء -كما يعبر ابن القيم - من فرث التعطيل ومن دم التمثيل.
قال ابن القيم - رحمه الله -: " فكان مذهبهم مذهباً بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين، خرج من بين مذاهب المعطلين والمخيلين والمجهلين والمشبهين كما خرج اللبن من بين فرث ودم لبنا خالصاً سائغاً للشاربين" (?).
وهذا القسم من التوحيد ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية، وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة: فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل ونفى الصفات زاعماً أنه منزه لله، وقد ضل؛ لأن المنزه حقيقة هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلاً، ومنهم من سلك مسلك التمثيل، زاعماً بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا؛ لأنهم لم يقدروا الله حق قدره، إذ وصموه بالعيب والنقص; لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه (?).
قال نعيم بن حماد الخزاعي (?): من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، ولا ما وصفه به رسوله تشبيها (?).
وكلام الأئمة في هذا الباب أطول وأكثر من أن يسعه هذا المطلب؛ فإن مدار التوحيد على التوسط بين التشبيه والتنزيه.