والعداوة والبغضاء هي مقدمة الوقوع في الأهواء، ونهايتها الحكم على المخالف بالفسق والكفر؛ ولذلك كان الإمام الشافعي - رحمه الله - ينهى عن الكلام في الأهواء، معللا ذلك بقوله: " أحدهم إذا خالفه صاحبه قال: كفرت، والعلم فيه إنما يقال: أخطأت" (?).
فالحكم بالتكفير عندهم حاضر عند الاختلاف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حاكياً صنيع أهل الفلسفة والكلام مع مخالفيهم من أهل السنة والجماعة: " ثم هؤلاء يجعلون ما ابتدعوه من الأقوال المجملة دِيناً يوالون عليه ويعادون، بل يكفرون من خالفهم فيما ابتدعوه .. ومعلوم أن الخوارج هم: مبتدعة مارقون كما ثبت بالنصوص المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع الصحابة ذمهم والطعن عليهم، وهم إنما تأولوا آيات من القرآن على ما اعتقدوه، وجعلوا من خالف ذلك كافراً؛ لاعتقادهم أنه خالف القرآن، فمن ابتدع أقوالاً ليس لها أصل في القرآن، وجعل من خالفها كافراً كان قوله شراً من قول الخوارج؛ ولهذا اتفق السلف والأئمة على أن قول الجهمية شر من قول الخوارج" (?).
وقد بلغ الأمر بأهل الأهواء أن كفروا صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وبما أن هذه المقالات البدعية مبناها على الأهواء والعقول البشرية فما لبث أن دب داء التكفير بين الإخوان والأقران في المذهب الواحد؛ وفي ذلك يقول الإمام أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني (?): " وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين أو شيعاً وأحزاباً، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يبدع بعضهم بعضا، بل يرتقون إلى التكفير؛ يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره، تراهم أبداً في تنازع وتباغض واختلاف، تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} الحشر: 14، أوما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون (?)، منهم البصريين (?)،