إذا كان الناس في القدم يجادلون الرسل، ويرفضون علومهم، ويعرضون عنهم، ويكذبونهم بعد وضوح الحق، ويظهرون لهم التعنت بطلبهم أمورا ليست من قدرة البشر لتعجيزهم، ويؤذونهم -عليهم الصلاة والسلام- (?)، مع توافر الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الإيمان بهم، فإن البشر اليوم في القرن العشرين -حيث بلغت البشرية ذروة التقدم المادي، فغاصت في أعماق البحار، وانطلقت بعيداً في أجواز الفضاء، وفجرت الذرة، وكشفت كثيراً من القوى الكونية الكامنة في هذا الوجود- أشد جدالاً للرسل، وأكثر رفضاً لعلومهم، وأعظم إعراضاً عنهم، بحجة أن في شريعة الله حجراً على عقولهم، وتوقيفاً لركب الحياة، وتجميداً للحضارة والرقي (?)، وقد أقامت الدول اليوم نظمها وقوانينها وتشريعاتها على رفض تعاليم الرسل، بل إن بعض الدول تضع الإلحاد مبدأ دستورياً، وهو الذي يسمى بالعلمانية (?).
وهذا كله شطط بل خروج عن منهج القصد والحق في الاعتقاد بهم.
ونأتي للوقوف على طرق الانحراف المؤدية إلى التفريط في الإيمان بالرسل، وهي:
من نظر في الكتب المنزلة، وتصفح ما رواه علماء الأخبار، اتضح له اعترافهم بإمكان الوحي وحاجتهم إليه، حتى الكفار؛ فإنهم إنما استبعدوا أن يختار الله لوحيه رسولاً من البشر.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)} هود: 25 - 27، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار التي تدل على أن إنكار الرسل لم يكن لأصل الرسالة ولا