في الدين، أي: لا تغلو بأي نوع من أنواع الغلو في الدين، وإن كان الخطاب فيها موجهاً لأهل الكتاب إلا أن العبرة بعموم اللفظ كما هو قول أكثر أهل العلم (?).
قال القاسمي - رحمه الله - (?): " ميزان العدل (لا تغلوا في دينكم غير الحق) أي: لا تتجاوزوا الحد في تعظيم عيسى وأمه، وترفعوهما عن رتبتهما إلى ما تقولتم عليهما من العظيمة، فأدخلتم في دينكم اعتقاداً غير الحق بلا دليل عليه، مع تظاهر الأدلة على خلافه ... و (الغلو) نقيض التقصير، ومعناه الخروج عن الحد؛ وذلك لأن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، ودين الله بين الغلو والتقصير" (?). والحاصل: أنه لا يأتي الغلو في شيء إلا ورافقه الجفاء، فكما أن الغلو من المنهيات، فالتقصير والتفريط كذلك (?)، فالنهي عن الغلو يتضمن النهي عن الجفاء.
والغلو له جانبان أو صورتان: غلو في التمسك والتشدد في التطبيق، لم يأذن به الله، ولم تأت به شريعته، التي من أصولها (رفع الحرج، والتيسير) (?).
والصورة الأخرى للغلو: غلو في الانحلال والتميع، والتفلت من نصوص الشرع وقواعده، يؤدي إلى التطاول على مُحكَماتِه، وهو أيضا مما يأباه الله ورسوله والمسلمون.
ولا ننس في غمرة الانشغال بالأول: الإنكار على الثاني، وبالدرجة نفسها، فإن الصورة الثانية من الغلو (في جانب التفريط) تكون غالبا من أسباب الغلو في صورته الأولى، والواقع خير دليل (?).