لذا فالوسطية بقدر ما هي تثبيت للثوابت وانطلاق من المرجعية، فهي تجديد متواصل في مختلف مظاهر حياتنا الثقافية والفكرية، على اعتبار أن لكل جيل كسبه وتجربته التاريخية الخاصة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} البقرة: 134 (?).
فالشمول الذي يجعل الإسلام مهيمنا على الحياة كلها بأنظمتها وأنشطتها المختلفة، وبأعمال الإنسان المتنوعة، لا يشذ عن الدين أبداً، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)} الأنعام: 162.
وقال الحق -جل وعلا-: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: 38، ليدُلنا على أن الإسلام دين شامل لجميع نواحي الحياة، سواء تعلق الأمر بالإنسان في علاقته بربه (فقه العبادات) أم بالإنسان مع بني جنسه (فقه المعاملات)؛ فرسالة الإسلام شاملة في تعاليمها، شاملة في عقيدتها، شاملة في معاملاتها وعباداتها، شاملة في أخلاقها وآدابها.
من أهم وأبرز معالم الوسطية، وضوحُ أصولها الاعتقادية (?)؛ التي استمدتها من المصادر الربانية المتقنة غاية الإتقان، والصالحة لكل زمان ومكان؛ وهي مع وضوح أصولها الاعتقادية
واضحة الأهداف والغايات والتشريعات والآداب والمناهج والطرق (?)، فكانت بحق منطلقاً لغيرها من الأعمال (?)، وعلامة بارزة على الوسطية الحقة.