لهذا نجد أن الإسلام أبطل الرهبانية؛ ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: ((رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا)) (?).

ورغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمل الدنيا، فقال: ((لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب، فيحملها على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل رجلاً يعطيه أو يمنعه)) (?).

فالوسطية في الإسلام ترشد المسلم إلى الجمع بين خيري الدنيا والآخرة أي: أن يعمل الإنسان ويتحرى في عمله الأحسن والأفضل ويجعل عمله كله لله تعالى، فهو جاد في عمله في دنياه مستعد لآخرته؛ قال الله - عز وجل - معلماً لنا: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} البقرة: 201؛ ونجد أن هذا الدعاء الجامع الصالح للخيرين معاً كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - (?).

فيتولد عن هذا الاتزان الجمع بينهما وفق منهج الله، (الاتباع في الدين)، (والإبداع في أمور الدنيا)؛ لأنه لا تعارض بين ذلك. فنجد أن في الوسطية الثبات في الأهداف والمرونة في الوسائل (?).

المعلم الخامس: الشمول:

ليست الوسطية محصورة في جزئية من الجزئيات، ولا ركن من الأركان، وإنما هي منهج متميز بالشمول لحياة الإنسان كلها، بطول امتداده الزمني، وعرض مجالاته في الحياة كلها، وعمق أغواره الحياتية، فهي تشمل الجسم والعقل والروح، وتضم الظاهر والباطن، وتعم القول والعمل والنية (?).

إذن الوسطية ليست مرحلة وإنما منهج حياة شامل مطلوب في كل حين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015